رحلة العمر

بقلم : أكوس سوسيلو بن كارمادي

هبطتُ إلى هذه الدنيا في يوم الأحد ، 11 سبتمبر 1988 م بمدينة (( لامونجان )) Lamongan . وكما لا أستطيع أن أختار أبي و أمي أو نوع العائلة التي نشأت بها ، فلا أستطيع أيضا أن أختار تاريخ ميلادي . لقد شاء القدر أن يجعل عيد ميلادي مصادفا لحادثة " مأساة 11 سبتمبر " في الولاية المتحدة حيث صار المسلمون مرتكبين— في أعين الغرب — هذه الجريمة . فكل الناس يحتفلون بذكر هذه المأساة المؤلمة في هذا اليوم المحزن . و أنا— نفسي — أحتفل بذكر عيد ميلادي في هذا اليوم المبارك . فأنا اليوم بين الاثنين : الحُزن و الفرح .

***
كانت أول مدرسة تعلمتُ فيها أهمّ دروسي في الحياة بيتي . تعلمتُ فيه مبادئ الدين والسلوك أيام طفولتي . و كانت أسرتنا مؤلفة من: أبي ، وأمي ، و شقيقتي الكبيرة ، و أنا .

كان أبي (( كارمادي )) Karmadi طيب القلب ، نادر الشرّ ، صبورا . فلم أراه يوما يستخدم وسيلة من وسائل العنف في تأديب أولاده و بناته . أمّا أمي (( مارسيه )) Marsih فهي طيبة القلب ولكن فيها روح الشرّ ، غليظة ، خصوصا مع المعتدي إليها أو أحد أسرتنا . ومع إختلاف طبيعتهما المتضادة يجمعهما الحبّ و المودّة فأصبحا الزوجين المتآلفين المتحابّين .

كلما تقدمتُ سنا أشعر أني أميل إلي شخصية أبي أكثر من أمي . فما أنا إلا نتيجة لما ورثتُ عن أبي ، أو بعبارة أخرى: وما أنا إلا صورته الصغيرة . فأنا لم أصنع نفسي ولكن صنعها الله عن طريق ما سنه من قوانين الوراثة والبيئة . فالحمد لله الذي رزقني خير الآباء .
***
ولما بلغتُ سن السابعة دخلتُ المدرسة الإعدادية ثم الابتدائية حيث قضيت تسع سنوات في الدرس و التحصيل بجدّ واجتهاد في مدينة (( لامونجان )) إلى أن تخرجت سنة 2003 م . ثم أردتُ أن أتفقه في علوم الدين و اللغة العربية فاخترتُ معهد (( دار السلام كونتور )) مدرسة لي .

كان هذا المعهد أهمّ مدرسة تكوّنتْ فيها شخصيتي العقلية و الخلقية و الروحية . ذلك لأن التربية و التعليم لاينحصران على إلقاء الدروس في الفصول فحسب ، بل يشملان جميع الأنشطة اليومية التي يعملها الطلاب . تعلمتُ فيه مبادئ الأخلاق الكريمة: الإخلاص ، والبساطة ، والأخوة الإسلامية ، والاعتماد على النفس ، وحرية النفس . فلا شكّ أنّ لهذه البيئة الإسلامية أثر كبير في نفسي .

و من أكبر نعمة الله التي مناها عليّ و أنا طالب في السنة الخامسة بكلية المعلمين الإسلامية (( KMI )) هي مهارة كمبيوتر . إذ كنتُ مساعدا في مكتبة دار السلام للحاسبة (( DCC )) فاكتشفتُ موهبتي المختزنة ورثتها عن جدّي من الأب ، ألا وهي حبّ الفنّ . فبدأت أحب فنّ التصميم باستعمال برنامج (( كورل درو )) CorelDRAW و (( ادوبي فوتوشوب ))Adobe Photoshop . ومن يدري أن هذه المهارة أصبحتْ لساني الناطق في المعاملة بين أصدقائي ؟ أعني بها تعرفتُ بكثير من الناس بوسيلة هذا الفن الذي أتقنه ، فاكتسبتُ مكانة مرموقة بينهم . فما أجدر لي أن أشكر الله على هذه النعمة التي إختصّها لي .

وما أنس لا أنس يوم تخرّجي من هذا المعهد سنة 2007 م . فقد كنتُ بين العاطفتين المتضادتين : الفرح على نجاحي بحسن الخاتمة و الحُزن على فراق أصدقائي الأوفياء . لقد صدق قول المنفلوطي "لولا فرحة التلاقي ، ما كان ترحة الفراق" .
***
لقد شاء الله أن يجعل أرض (( مصر )) موطني الثاني بعد (( إندونيسيا )) حينما إلتحقتُ بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر الشريف ، وكان أول عهدي بها سنة 2009 م . فمن هذا المنطلق بدأتُ رحلتي العلمية و الفكرية خصوصا في علوم اللغة العربية . فأنهل العلوم و المعارف بلا حدود ولا قيود من ينابيعها الأصيلة الصافية لم يكدّرها أي قذى . فقد فتح الله عليّ أبواب العلم و المعرفة بعد أن كانت مغلقة ، وذلك بفهم قواعد اللغة العربية نحوها و صرفها و بلاغتها على الوجه الصحيح .

و من حسن حظي أن أتعرّف بكبار كتاب العربية و أدبائها في عصر الحديث عن طريق مطالعة كتبهم اللغوية و الأدبية أمثال : مصطفى لطفي المنفلوطي ، و مصطفى الصادق الرافعي ، و نجيب محفوظ ، و توفيق الحكيم ، و عباس محمود العقاد ، و الأستاذ أحمد أمين ، و أنيس منصور ، و الدكتور شوقي ضيف ، و الأستاذ محمود محمد شاكر ، و كامل كيلاني ، و الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي . فلهم الفضل عليّ و جزاهم الله خير الجزاء .

وها أنا في الرابعة و العشرين من عمري . فما أسرعتْ الأيامُ و الحوادثُ تمرّ في حياة الإنسان ، فكأني شعرتُ أني لم أعيش في هذه الدنيا إلا يوما أو يومين . ولا أدري هل سأظلّ حيّاً في السنة المقبلة حتى أحتفل بذكر عيد ميلادي الخامسة و العشرين كما أفعله اليوم . لأني لا أعرف من شؤون الغد شيئا ، ولأن المستقبل بيد الله ! فكل ما في وسعي أن أنتهز بقية عمري في خدمة ديني و وطني و والديّ .

وفي السطور الأخيرة من هذه المقالة أودّ أن أبلغ تحيتي و سلامي على كافة أصدقائي الأوفياء و صديقاتي الوفيات الذين أخلصوا لي في صداقتهم . فما أنا إلا صفحة بيضاء و أنتم الفنانون البارعون ترسمون عليها صورا جميلة من معاني الحياة .

والله ما عُمرك من أول يوم وُلدت بل عُمرك من أول يوم عرفت الله تعالى .
— ابن عطاء الله السكندري ، فقيه و صوفي


القاهرة ، 11 سبتمبر 2012



أنا و شقيقتي الكبيرة (( إيفي ديا رحماواتي ))


 أمي و أبي في حفلة الزفاف


المساعدون في مكتبة دار السلام للحاسبة


زملائي في الفصل السادس


أنا و أحمد تجاني و شكرا يوسف و مصعب مقدس